الجمعة، 17 أبريل 2015

العددالتاسع والعشرون السنه الرابعه رئيس مجلس الاداره ورئيس التحرير فتحى على 2015


كشف المسور

   Upload23b63e0d89              جـريدة كشف المستور                           E3lan  رئيس التحريرفتحى على    Q (7)   جريده اككترونيه شهريه يحررها ابناءدلهمو    1 (24)

 

 

التعليم.. مشاكل متراكمة تبحث عن حلول


كتب رئيس التحرير

 «التعليم أساس تنمية الشعوب، يدفع الإنسان من قاع التخلف إلى سماء المجد.. هو البصر والبصيرة، بدون التعليم لا حياة ولا إعمار فى الأرض،
وملف التعليم فى مصر من أخطر الملفات الشائكة.. التى يعانى منها كل المصريين على مختلف فئاتهم.. فمشاكل التعليم متراكمة ومتزايدة منذ رياض الأطفال، مروراً بمراحل التعليم الأساسى، وصولاً إلى الجامعات.. نفي كل مرحلة من مراحل هذا التعليم.. تعانى الأسرة المصرية، ويعاني أيضاً أبناؤنا من التلاميذ والطلاب.. لأن المدارس منذ رياض الأطفال تحولت إلي فوضى.. لا تربية فيها ولا تعليم.. ناهيك عن وسائل التعليم المتخلفة التى تحتاج إلى تطوير وأساليب المعلمين التي تعتمد على العنف والتلقين.. بجانب التكاليف الباهظة في المدارس والجامعات الخاصة التي جعلت من المؤسسات التربوية أسرع وسيلة للربح السريع.
والنتيجة أن أبناءنا يتحرجون من المدارس والجامعات وليس في عقارهم أي شيء مما تعلموه أو «حفظوه».. المنظومة كلها تحتاج إلى تصويب وتعديل.. و«الوفد» تفتح الملف بدءاً من دور الحضانة وحتى الجامعات.. ونبدأ بالفصل الأول «الحضانات».

الحضانات أو رياض الأطفال هي البداية والخطوة الأولى لتعلم الأطفال وإكسابهم المهارات، فهي مرحلة التأسيس المهم لأولادنا فى نعومة أظافرهم لتنمية قدراتهم وأفكارهم وتنشئتهم علي السلوك القويم والمهارات التي تظل في أذهانهم مدى الحياة.. لذا تحرص البلدان المتقدمة علي تنمية عقول هؤلاء الصغار فى تلك المرحلة لما لها من أهمية.. أما فى مصر فيتم تجاهل وإهمال هذه المرحلة المهمة من تعليم الأطفال، ونتغاضى عن تنمية القدرات العقلية للبراعم الصغيرة، فنجد الحضانات العشوائية تنتشر في كل مكان، دون الالتزام بالناحية التربوية لتعليم الأطفال، مما يؤدى إلى نشوء أجيال جديدة مصابة بعقد وأمراض نفسية تؤدى في المستقبل إلى تدمير ما حولها، في ظل غياب الدور الرقابى من قبل وزارة التضامن التى لم تعد تتحرك إلا بعد وقوع كارثة، لتظل الأفكار الملوثة تملأ عقول أطفالنا بجانب تلقين النشء السلوكيات المرفوضة العنيفة بل ووقع اعتداءات أخلاقية وعمليات اغتصاب للأطفال، وهو ما يتكشف يوماً وآخر دون عقاب رادع للمجرمين في حق زهور مصر الخضراء.
والمفترض دور الحضانة هي البيت الثانى للطفل يتلقى فيها الأطفال جميع السلوكيات والقيم التي تظل معهم حتى الكبر، لكن في السنوات الأخيرة انتشرت حالة من الفساد الأخلاقى بالعديد من دور الحضانات بجانب اعتماد هذه الحضانات على أساليب قاسية لتعليم الأطفال الكتابة والقراءة في سن صغيرة، وهو ما ثبت خطورته علمياً، حيث أكدت الدراسات والأبحاث أن إمساك الأطفال في سن ثلاث سنوات وحتي الخامسة من العمر، يؤثر سلباً على مستوى تحصيل الأطفال وعلى أدائهم العصبى والعقلى، في الوقت الذي تعتمد فيه الدول المتقدمة علي وسائل تعليمية متقدمة لتعليم الأطفال في رياض الأطفال دون الحاجة إلى الورقة والقلم، بل عن طريق الألعاب ومواد التسلية والترفيه والصورة والصوت، بينما في مصر تدمر شخصية الطفل في دور الحضانة نفسياً وأخلاقياً ودينياً.. وتصدر إلى مراحل التعليم المختلفة أطفالاً غير أسوياء. والكارثة الأكبر تكمن في دور الحضانة العشوائية التي انتشرت في مصر كالسرطان.
إذا كان لدي أى إنسان الرغبة فى مشروع مربح، ولا يمتلك سوي القليل من المال، لن يكون أمامه سوي إنشاء حضانة للأطفال في أي حي شعبى، ولن يحتاج الأمر سوى وجود غرفتين أو أكثر فى أي منطقة سكنية مكتظة بالسكان دون أى مشقة أو حتى الحاجة للحصول على ترخيص، فهذا المشروع المربح أصبح مصدر رزق متعارف عليه للعديد من الأسر بالمناطق العشوائية بغض النظر عن كونهم مؤهلين أو غير مؤهلين، وصاحب الحضانة كما قلنا لا يحتاج إلا لغرفتين وبضعة مقاعد لجلوس الأطفال، و«سبورة» صغيرة، مع القليل من الألعاب البسيطة إذا توافرت، ومن هنا انطلقت مشاريع دور الحضانات في كل مكان دون الاهتمام بالحصول على تراخيص إنشائها التي يرى الكثيرون منهم أنها معقدة وتحتاج لوقت وجهد كبير يمكنهم الاستغناء عنه، هذا فضلاً عن إغفال وزارة التضامن لدورها الرقابى علي تلك الدور، فانتشرت مؤخراً هذه النوعية غير الرسمية من الحضانات المخالفة، والتي تفتقر لأبسط وسائل الأمان، فضلاً عن عدم اهتمام أصحابها باختيار المدرسين المؤهلين تربوياً للتدريس، مما يجعل معظمهم يستخدم الضرب والألفاظ النابية كأسلوب تربوى أو عقابى للأطفال الصغار، مما يؤثر سلباً على سلوكياتهم وعلى قيمهم الاجتماعية التي يجب أن يتم غرسها فى عقولهم منذ الصغر.
«الوفد» خاضت جولة في العديد من المناطق الشعبية حين تم رصد انتشار دور الحضانات العشوائية في كل مكان، بل المثير أن البعض حول المحلات التجارية الصغيرة إلى حضانات، وآخرون اعتمدوا على إقامتها في شقق إيجار جديد، وبسؤال عدد من أصحاب هذه الحضانات اكتشفنا أن أغلبهم تابع للجمعيات الأهلية وأنهم يزاولون فتح وإدارة الحضانة بالاعتماد على تصريح الجمعية الأهلية والخطير في الأمر اكتشافنا أن أغلب هذه الحضانات يقف وراءها أصحاب فكر دينى متشدد وهم يعتمدون في إدارة وتعليم الأطفال علي قاعدة تدريس تعرف لديهم باسم نور البيان وتعني التدريس بالطريقة الإسلامية، والاهتمام بحفظ القرآن والأحاديث مع تعليم الصغار الحروف الأبجدية وغيرها، وبالطبع ملاك تلك الدور من أصحاب الفكر المتشدد.. بعضهم ينتمي للإخوان أو السلفيين، أما باقى الحضانات فتقوم بالتدريس بطرق عشوائية وكل منهم يتبع طرق مختلفة مع الأطفال، ويختلف الأسلوب بين ديني متشدد أو عشوائى، لكن تتفق الحضانات فى الأماكن التي تقام فيها هذا المشروع، فهى لا تليق بصحة الأطفال البدنية أو النفسية، فهناك حضانات تستخدم «الدكة» وهي لمن لا يعرفها مجرد صندوق خشبى عليه سجادة بدلاً من المقاعد لجلوس الأطفال، وآخرون لا يكلفون أنفسهم حتي بهذه الدكة، بل يتركون الأطفال يجلسون على الأرض وكل حسب مقدرته.

 

تسعيرة حسب المكان
وتختلف الأسعار أو تكلفة إلحاق الطفل بأي دار حضانة حسب المكان ومستوي الحضانة، وحسب إمكانيات كل دار، فهناك حضانات ذات المستوي الردىء التي تبدأ فيها الأسعار من 30 جنيهاً في الشهر، وتعمل منذ السابعة والنصف صباحاً حتى 12 ظهراً، وأخرى تبدأ فيها الأسعار من 60 جنيهاً شهرياً، أما الأفضل حالاً فتصل فيها الأسعار إلى 200 جنيه شهرياً للطفل الواحد، ويستمر العمل فيها حتي الرابعة عصراً، وهي بالطبع للميسورين من الطبقة المتوسطة أو ما فوقها، هكذا انتشر دور الحضانات مع اختلاف أساليب التعليم بها وأسعارها وإمكانياتها، إلا أن النتيجة في النهاية واحدة وهي تصدير جيل يشكل قنابل موقوتة في كل مكان، يدمر المجتمع من حوله.
وقد حاولت «الوفد» أكثر من مرة الاستفسار عن هذه الكارثة من وزارة التضامن للتعرف على كيفية التصرف مع المخالفين، لكننا لم نجد منهم أي رد فعل أو اهتمام للتوضيح، وكان اعتذارهم المتكرر بأنهم مشغولون باحتفالات عيد الأم، رغم انتهاء هذه الاحتفالات منذ أيام.. لكن يبدو أن الأمر لا يعنيهم كثيراً.

شروط بلا التزام
أما عن شروط استخراج تراخيص الحضانات فتتمثل ضرورة الحصول على تصريح من وزارة التضامن، وهيئة الدفاع المدنى، واستخراج شهادة هندسية تؤكد سلامة المبنى ومطابقته للشروط البيئية، كما يجب ألا تقل مساحة المكان المخصص لإقامة الحضانة عن 150 متراً، ومن ضمن تلك الشروط ضرورة حصول المالك على مؤهل تربوى عال، فضلاً عن وجود إخصائية نفسية وطبيب أطفال، هذا فضلاً عن ضرورة التوجه للحى التابع له المكان المخصص لإنشاء الدار، والحصول على خطاب تحويل للهيئة العامة للأبنية التي تتولى معاينة الموقع، للتأكد من ملاءمته للمشروع، وفى حالة الموافقة يتم إصدار تقرير بمطابقة المكان للشروط اللازمة ومن هنا يتم الحصول على التراخيص لمزاولة النشاط، أما إذا كان الموقع غير ملائم فيتم رفض الأمر أو البحث عن مكان بديل لمزاولة المهنة.
جرائم أخلاقية
حوادث عديدة ومتكررة تحدث في دور الحضانات.. فبين وقت وآخر نسمع عن حادثة أخلاقية جديدة كاغتصاب الأطفال بحضانة بالمعادى في نهاية التسعينيات التي تعد الأبشع والأشهر، وبعدها توالت الحوادث الفردية هنا وهناك بعد أن سادت حالة الفوضى والعشوائية في ظل غياب الرقابة الفعلية من قبل وزارة التضامن التي اعتمدت علي غلق دور الحضانات بعد وقوع أي كارثة، أي على سياسة علاجية وليس وقائية، ففي نهاية العام الماضى تمكنت أجهزة الأمن من إلقاء القبض على مسئولى حضانة بمنطقة الخصوص، بعد أن قاموا بالتعدى جنسياً على الأطفال أثناء تواجدهم بالحضانة، وتلى تلك الواقعة حادث آخر أليم حيث لقى طفل رضيع مصرعه نتيجة للإهمال داخل إحدى الحضانات ببورسعيد، بعد أن تناول سائل التنظيف عن طريق الخطأ، ومنذ ما يقرب من ثلاثة أشهر تسببت إحدى المربيات بإحدى دور الحضانات بمنطقة فيصل بالجيزة في وفاة طفل بعد أن سكبت عليه الماء المغلى لتنظيفه.



وسيلة للاستثمار
يعلق على ذلك أيمن البيلى، الباحث فى شئون التعليم، إذ يؤكد أن هناك نوعين من الحضانات في مصر، الأول هو النوع الرسمى، والذي يكون ملحقاً بالمدارس ويسمى رياض الأطفال، وهذا النوع يخضع لرقابة منهجية تربوية علمية، سواء في التدريب علي السلوك والقيم، أو محو الأمية وتعليم الحروف الأبجدية، أما النوع الثانى فقد مر بمرحلتين، الأولى كانت في بدايات عام 1975 وحتى 1985، وكان الحضانات وقتها يسمح لها باستخراج التصاريح من وزارة الشئون الاجتماعية في نطاق ضيق ومحدود، مع التركيز على تحديد الأعمار التي سيتم قبولها، ابتداء من سن 4 سنوات، ثم بدأت المرحلة الثانية التي بدأت بإنشاء الحضانات العشوائية التي اهتم الإخوان بإنشائها في كل مكان للسيطرة على عقول الأطفال الصغار وغرس قيمهم، وشاركهم في ذلك الجماعات السلفية السنية، فظهرت تحت مسمي الجمعيات الأهلية، وجمعيات تحفيظ القرآن، تلك الحضانات، كانت تحصل علي موافقات من وزارة التضامن علي إنشاء الجمعيات وليس الحضانات، ثم أصبحت بعد ذلك وسيلة للاستثمار، مما يؤثر سلباً علي القيم التربوية التي يتعلمها الأطفال، خاصة أن الأطفال يتم تعليمهم في مراحل عمرية مبكرة دون الالتزام بالسن الملائم الذي يمكن من خلاله تعليم الطفل وهو سن الـ4 سنوات.
ويرى أيمن البلى أن هناك حضانات لا تتلاءم مع المنهج العلمي التربوى، فضلاً عن كونها عشوائية، ويعمل بها أشخاص غير متخصصين، مما يؤدى لانتشار حالة التشوه الفكرى لدي الجيل الجديد، كما أن هذه الحضانات غير خاضعة لأي رقابة ولا تمتلك أي نظام تربوى في التعامل مع الأطفال، أو قواعد سيكولوجية، بل يعتمد أصحابها علي توجيه الطفل نحو الاتجاه الدينى، وحفظ القرآن، لخلق شخصية دينية، مع الحرص على محو قدرتهم على الإبداع والتفكير، مما يؤدى في النهاية لمأزق كبير يتمثل في تلوث المنبع الفكرى.
ومن هنا يجب علي وزارة التضامن وقف تراخيص الحضانات، وتفعيل الدور الرقابى علي جميع الجمعيات الأهلية التي يتسلل من خلالها البعض ويتخذونها ذريعة لإنشاء الحضانات، وعلي وزارة التعليم أن تتولى مسئولية الإشراف الكامل علي جميع الحضانات، لأنه من المفترض أن تكون هناك مؤسسة لها حق الإشراف التربوى والفكرى، حتي لا يضخ المنبع أفكاراً ملوثة ويخرج في النهاية جيل لا يفكر، بل يدمر كل خطط التنمية.

تقديم المساعدة
الدكتور قدرى حفنى، عميد معهد دراسات الطفولة الأسبق، يقول: عندما نرى ظاهرة تخدم أهدافاً معينة في المجتمع، فلابد أن نقدم لها يد العون، فتلك الحضانات العشوائية، تحتاج لحصر دقيق وعمل دراسات للقائمين عليها، حتي نساعدهم في تأهيل المدرسين الذين يعملون بها، حتي يعود بالنفع علي الأطفال الصغار، فلا يجب أن ننظر إليهم وكأنهم يعملون في الخفاء أو كأنهم مذنبون، بل يجب أن نساعدهم، حتي يصبحوا مؤهلين للقيام بهذا الدور التربوى المهم، فهناك قواعد لتعليم الصغار، أهمها الالتزام بسن 6 سنوات للبدء في تعليم الطفل، حتىِ تكون لديه قدرة كاملة علي الاستيعاب، لكن أغلب الحضانات تعتمد على بدء تعليم الطفل من سن 3 سنوات، وهذا الأمر يؤثر سلباً علي الأطفال، لذا ننصح بضرورة الانتباه، والحرص على تنمية ذكاء الأطفال في المراحل العمرية الصغيرة، والاعتماد على ممارسة الأنشطة وتنمية قدراتهم أولاً.
الدكتور مكرم إسكندر، أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس، يقول: لا شك أن هناك العديد من الحضانات العشوائية التي تنتشر في كل مكان، فنسبة المصرح به ضئيلة جداً بالمقارنة بدور الحضانات الحاصلة علي تصريح مزاولة النشاط، لكن مع الأسف لا توجد رقابة فعلية من قبل المسئولين عن تلك الدور، فلا يتم المرور عليها، والإشراف الجاد على طبيعة عملها، مما يؤثر سلباً علي مستقبل الأطفال، فالعشوائية في إنشاء الحضانات، ينتج عنه تصرفات وسلوك عشوائى، حيث تنشأ أجيال عدوانية، نظراً لأنهم لم يتعلموا بطريقة تربوية، فالطفل في بداية مراحل عمره يحتاج لتأهيل نفسي وتربوى، ليتعرف علي القيم والسلوكيات التي من المفترض أن تؤثر على أخلاقه، وعندما نفتقد لهذا الأمر، فإننا سنخرج أجيالاً غير أسوياء، يتصرفون بطرق عشوائية فيدمرون المجتمع، ولا شك أن هذا الأمر يحتاج لمزيد من الاهتمام، خاصة بعد أن سادت العديد من الحوادث في الكثير من الأحياء الشعبية والمحافظات، والتي وقع ضحيتها أطفال أبرياء، والحل هو ضرورة تفعيل الرقابة، ومساعدة أصحاب تلك المشاريع علي الحصول على التراخيص مع المتابعة الدورية، وعدم المغالاة في الاشتراطات وتبسيط الإجراءات، حتى يتسنى لهم الحصول على التراخيص اللازمة لإقامة تلك الحضانات، مع ضرورة اختيار الكوادر المؤهلة لمزاولة مهنة التدريس والتعامل مع الأطفال.

  التعليم في خطر
مدارس الحكومة.. لا تربية ولا تعليم


بدأ «راديودلهمو» فتح ملف التعليم بكل ما له وما عليه ونواصل اليوم طرح القضية، فالتعليم هو رمانة الميزان في نهضة أي دولة، لذا لم يكن تفوق العالم الغربي على العالم الثالث من فراغ، فقد اكتشف الغرب مبكراً قيمة التعليم في التقدم، بينما ظلت الدول النامية ومنها مصر أسيرة نظم تعليمية شديدة التخلف.
ومما يؤسف له أن الحكومات المتعاقبة قبل وبعد الثورة سجلت فشلاً كبيراً في التصدي لأزمات لهذا الملف الذي يعد حجر الزاوية في النهضة التي تخلفنا عنها طويلاً.. ويقف التعليم الحكومي الذي مازال يعد قبلة السواد الأعظم من المصريين بسب العوامل الاقتصادية حجر عثرة في انطلاق مصر نحو ركب التقدم الذي كنا في السابق أحد أبرز فرسانه، وعلى الرغم من اعتراف جميع قوى ومؤسسات الدولة بأننا نواجه أزمة آخذة في التفاقم بشأن ملف التعليم، إلا أن الحلول ظلت ولاتزال غائبة، فالمدارس المصرية غير قادرة على تخريج أجيال قادرة على المشاركة في النهضة التي نرجوها وذلك بسبب تخلف العملية التعليمية نفسها.
وبينما التعليم في البلاد المتقدمة يقدم في جرعات سهلة ومبسطة للتلميذ والطلاب من خلال معلمين على مستوى عال من التعليم والتدريب والثقافة، في مدارس مجهزة بأحدث أساليب التكنولوجيا.. ولكن التعليم الحكومي في مصر لايزال رهين المصيبتين «الفقر والجهل» لأجل ذلك تحولت المدارس الحكومية الى بؤر لاكراه التلاميذ في العلم خاصة مع غياب الرقابة على المدرسين الذين تفرغ أكثرهم لبيزنس الدروس الخصوصية مما يجعل البعض يندم لدخول المدرسة ومعترك العلم والتعليم في البلد الذي صدر المعرفة لمن حوله في السابق قبل أن يصل الأمر بمدارسه في النهاية لتخريج طلاب في المرحلة الاعدادية لا يجيدون القراءة والكتابة بسبب الإهمال، فضلاً عن الاعتماد على مناهج تجاوزها العالم تعتمد على الحفظ والتلقين غير المستند على وسائل تنمية العقل، وأصبحت المناهج تعزز لتخريج طلاب يفتقرون للمهارة والعلم والابتكار، كما تعاني تلك المدارس المتهالكة المباني من ارتفاع كثافة الطلاب وتدهور بنيتها الخدمية فضلاً عن غياب الأمن والأمان وازدهار التحرش والبلطجة المتبادلة من المدرسين والدارسين، كما تحولت بعض المدارس الى مصائد للموت عقب تكرار حوادث قتل التلاميذ.
ومن الظواهر السلبية التي تسببت في تفاقم الأزمة أن التعليم عندنا يفتقد لخطط مستقبلية بل هو قائم على سياسة وزير دائما ما يذهب مع الريح.. وعن حال التعليم والأزمات التي يعيشها الطلاب وأولياء الأمور في المدارس الحكومية كان «الملف» التالي:
< العالم يحكمه الأقوياء والقوة ليست عسكرية فقط بل توازيها قوة معرفية وعلمية ترتقي بوعي الشعب وتجعله مؤهلاً لادراك الواقع وهذا ما أدركه محمد علي باشا عام 1833 وكان قراره بانشاء مدارس المبتديان الابتدائية، وتماشياً مع السياسات الجديدة والتي أقرها ببناء جيش قوي ولذلك خرجت حملات محمد علي تجوب القرى والبلدان وتجبر الأهالي على تعليم أبنائهم وفق خطة وضعها لنهضة البلاد، وكان له ما أراد من قوة بالتسلح بالعلم ومحو الجهل فكانت النهضة المعرفية والعلمية مصحوبة بنهضة عسكرية وتنموية وزراعية وصناعية تبعها بوضع استراتيجية لتطوير نهج التعليم فكان قراره بإرسال البعثات العلمية الى أوروبا وأيضاً قام باستقطاب الأوروبيين الى مصر لتعليم أبناء الفلاحين داخل الكليات العليا واستقدامه لـ «كلوت بك» لانشاء مدرسة الطب بأبو زعبل وروح الدين أفندي من تركيا لتدشين المهندس خانة، وهكذا ولدت مصر الحديثة على يد محمد علي باشا الذي كان يؤمن بأهمية العلم والقوة المعرفية بالتوازي مع القوة العسكرية.. وليأتي بعد فترة جمال عبد الناصر مؤمنا بما سبق وأقام قلعة صناعية عملاقة كانت راسخة ومؤثرة فيما مضى ليس فقط في مصر بل وللدول المجاورة، وكذلك إعلاء مجانية التعليم وجعله كالماء والهواء لجموع المصريين.. وبمرور الزمن تبدلت السياسات والاتجاهات وتبدل حال التعليم في مصر وأصبح التعليم سياسة وزير وليست سياسة دولة مجرد قص ولزق وسنوات تلغى ثم تعود مناهج عشوائية ومخالفة للحقائق والتاريخ هوائية وتدعو للعنف وتفتقد للادراك والابداع بل تدعو الى التطرف أحياً، وصولاً الى تسييس المناهج في كتب التاريخ والتربية الوطنية واللغة العربية التي غالباً ما أصبحت تخضع لأهواء سياسية تتأثر بالنظام الحاكم ورؤيته، كل ذلك الى جانب تصاعد العديد من المظاهر الاجتماعية السلبية كالإدمان والتحرش واللامبالاة والإهمال الجسيم في كافة مراحل العملية التعليمية، بدءا من الوجبات المدرسية الفاسدة ومحاصرة التلاميذ بالأوبئة وانتهاء الى تحول المدارس لمصائد الموت إما صعقاً بالكهرباء أو غرقاً في البالوعات أو تحت أسوار وأبواب متهالكة ومنهارة أو دهساً تحت عجلات سيارات المدارس.. فالموت لتلاميذ المدارس الحكومية طال البدن، كما أضر بالعقول بتدني مستوى ما يقدم به من علوم تفتقد لأبسط قواعد التعليم المنهجي بعدما عمت الفوضى العملية التعليمية وحالات العنف والانتهاكات والذي فاقت الحدود خلال عام 2014 ورصدها وكشف عنها المركز المصري لحقوق الانسان، حيث رصد التقرير 18 حالة وفاة و24 حالة اعتداء على الطلبة تنوعت بين قتل وضرب ومحاولة انتحار واختطاف، علاوة على رصد 11 حالة عنف صادرة عن الطلبة، منها طعن مدرس وضرب آخر لرفضه السماح للطالب بالتدخين في المدرسة أو لمنعه من دخول الحمام.. كما كشف المركز عن التحقيق مع اكثر من 80 مدرساً وادارياً بسبب انتماءاتهم السياسية الى جانب عدم انضباط العملية التعليمية بمدارسهم، كما رصد التقرير عدداً من الحالات التي تبرز التردي الأخلاقي والاجتماعي لبعض المدرسين، إضافة الى حالات انسانية تكشف الوضع المادي المخجل لبعض المعلمين والتي دفعت أحدهم بالأقصر للانتحار حرقاً وضبط مدرس بإدفو بحوزته 43 ألف قرص مخدر ومدرس آخر ضبط بحوزته قطعة سلاح وضبط مدير مدرسة اخواني بالقليوبية وبحوزته 8 طلقات خرطوش و37 شاحناً.. كما رصد التقرير إضراب المدرسين عن العمل في أكثر من محافظة لأسباب متنوعة.. كذلك أكد التقرير تفشي حالات العنف ضد المدرسين والتلاميذ وكشف عن زيادة كثافة الفصول في مدن مثل 6 أكتوبر على غير المعتاد نتيجة لقرار معاملة السوري مثل المصري، وأن الكثافة الطلابية بشكل عام ارتفعت في محافظات القاهرة والجيزة والقليوبية والاسكندرية وتم الاعتماد على التدريس بنظام الفترتين كحل لهذه المشكلة.. وطالب تقرير المركز المصري لحقوق الانسان بتوفير عدد 10 آلاف مدرسة بنحو 50 ألف فصل وذلك للقضاء على نظام الفترتين وهو نظام زاد من بلاوي وفوضى العملية التعليمية في مصر.. فالمدارس الحكومية حدث ولا حرج فلا علم ولا تربية واقع مر وأليم تشهده هذه المدارس يومياً وينذر بكوارث وجعل مصر تحتل المرتبة 148 والأخيرة في تقرير التنافسية العالمية للتعليم الأساسي الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي الصادر مؤخراً نهايات العام الماضي 2014.
وذلك رغم إنفاق الأسر المصرية لـ 16.7٪ من الدخل على التعليم وتشكل الدروس الخصوصية السمة الأساسية لتلاميذ المدارس الحكومية لكافة المراحل بنسبة 42٪ من اجمالي إنفاق الأسر، علاوة على تخصيص مصر كدولة للتعليم حوالي 42.5 مليار جنيه وبما يمثل 11.9٪ من حجم مصروفات الموازنة العامة للدولة أي مايعادل نسبة 40٪ من اجمالي الناتج الداخلي وفقاً للميزانية العامة 2013/2014.
ورغم ذلك فقد وصلنا الى 2.5 مليون طفل متسرب من التعليم بسبب الفقر والجهل وذلك وفقاً لما كشفته مؤخراً دراسة أجراها الباحثون القائمون على تطبيق فكرة برنامج الغذاء من أجل التعليم «طموح» بالتعاون مع بنك الطعام والقوات المسلحة والقطاع الخاص متمثلاً في مؤسسة «بيبسيكو»، وهو ما يؤكد من جديد انهيار التعليم الحكومي في مصر والذي أوصلنا لما يعرف بمدارس «البوابين» والذي يخرج منها التلميذ لا يقرأ ولا يكتب حتى بعد حصوله على الاعدادية ويكون في الجامعة لا يسمع لا يكتب لا يتكلم.
ولماذا التوسع في انشاء مدارس حكومية جديدة لا تقدم تربية ولا تعليماً ودائما ما تكون سبباً لهروب الناس من التعليم الحكومي ليلتحقوا بالمدارس الخاصة واللغات والتي هى الأخرى ولغياب سياسة المحاسبة والتفتيش بدأت تدخل معترك الاهمال وسوء التربية وتحولت لمراكز تجارية غايتها الأولى والأخيرة الربح، ولو على حساب القيم والتعليم المقدم لأبناء ذويهم يدفعون دم قلوبهم طمعاً في تعليم خاص أفضل من الحكومي.

التعليم الحكومي!

الدكتور حسين الدريني، أستاذ علم النفس التربوي بجامعة الأزهر، يرى أن انهيار التعليم الحكومي نتاج طبيعي لما نشهده من أزمة ثقة بين المواطن والمؤسسة التعليمية التي تشرف عليها الدولة، فالناس فقدت الثقة في هذا التعليم لتفشي عدم الرقابة والمحاسبة فيه، لذلك نظام التقييم في مصر بيروقراطي قائم على فكرة تقييم المعلم بكشكول التحضير ودفتر درجات أعمال السنة ومن ثم المخرج الفعلي وهمي لا يعبر عن نتائج حقيقية والدليل نجاح نسبة كبيرة في الصفوف الابتدائية والاعدادية وحتى في الجامعة مؤخراً والتلاميذ والطلاب لا يجيدون القراءة والكتابة، وهو ما جعل معظم أولياء الأمور يتجهون للمدارس الخاصة واللغات.
يضيف الدريني: المدارس الحكومية لا تطور من برامجها بعدما أصبح جيل المرحلة الابتدائية الآي باد والآي فون وتكنولوجيا التواصل الرقمي، فجوة التكنولوجيا داخل المدارس الحكومية جثة هامدة لا نشاط فيها، بينما في مدارس اللغات والدولية التلميذ يتواصل مع معلمه عبر الحساب الاليكتروني وقد يناقش حل الواجب المدرسي عبر مجموعات على العالم الافتراضي.. ونتيجة وجود منتج ردئ بحسب اقتصاد السوق يمثل التعليم الحكومي في مصر هو سلعة الفقراء المجبورين عليها.
ويتساءل الدريني عن دور المجلس الأعلى للتعليم والذي يفترض فيه الحياد وأن يكون بعيداً عن توجهات أو تغيير وزير وبقاء آخر، والذي يجب أن تكون مهمته مقصورة على وضع خطة أو استراتيجية مرحلية ذات مدة زمنية ملزمة بتحقيق أهداف قريبة وبعيدة المدى.. ويؤكد الدريني أن المجلس أضحى مرتبطاً بالوزير وتغييره يقتضي تغيير سياسات الوزير السابق بمنطق الهدم واعادة البناء، لذا لا توجد خطة واضحة لنظام التعليم في مصر.. ومن ثم لا يوجد سوى مخرج واحد لإنقاذ التعليم الحكومي بأن يكون قائماً على التقويم المدرسي وتفعيل المحتوى ومن ثم ضرورة تعزيز سياسات محاسبة المعلم على الناتج الفعلي والسلوك التعليمي لدى التلاميذ، وألا يقتصر الأمر على دفاتر الإنجاز وأعمال السنة لأن التقويم يعني إعادة ترميم ما يستلزم وأن تقوم أولاً بعملية قياس فعلي يتوافر فيها معيار الصدق والثبات لتقييم أداء المعلم والمتعلم ومن ثم معالجة أسباب الخلل وعلاجها وأيضاً الاهتمام بالمنهج المدرسي وهو أساس صناعة الانسان في علوم التربية وبشكل فعلي وليس ورقياً!

العلاج يحتاج لوقت
الدكتورة زينات طبالة، خبيرة التعليم ومدير مركز دراسات التنمية البشرية بمعهد التخطيط القومي، ترجع تدني مستوى التعليم لأسباب كثيرة منها كثافة الفصول والتي تعدت الـ 90 تلميذاً في بعض مدارس محافظة الجيزة والى عدم توافر المباني المدرسية بالشكل الذي يتلاءم ويتناسب مع وضعية الزيادة السكانية في كل محافظات الجمهورية.. وتطالب بسرعة معالجة المشاكل، لأن حال التعليم يعكس حال المجتمع مما يتطلب عدم الحديث عن حلول ومقترحات سريعة وانما الدراسة التشخيصية لواقعنا التعليمى والنظر في مخرجات الإدارات التعليمية التربوية ونسب الفاقد التعليمي لدي الإدارات، إضافة إلي العمل على تأهيل مديرى المدارس في مجال الجودة في التعليم من خلال برامج تدريبية تربوية جادة.
فوضى - مقصودة

الدكتور كمال مغيث، الباحث بالمركز القومي للبحوث التربوية.. يري أن ما يحدث في المؤسسات التعليمية من فوضي وإهمال «مقصود» خاصة في ظل استمرار تلك السياسات الحكومية التي تفتقد الرؤية العلمية لمؤسسات الدولة وأهمها مؤسسة التربية والتعليم، إضافة إلى اختلاف أسلوب ثقافة التعلم مع تنوع المؤسسات التعليمية في مصر وهو ما جعل المدارس الحكومية علي وجه الخصوص مهمشة لدرجة كبيرة، مما جعل ظاهرة الدروس الخصوصية تمثل حلاً لا بديل عنه خاصة مع اكتظاظ الطلاب وضعف أداء معظم المدرسين.
ولذلك فمشاكل التعليم المصرى تكمن أيضاً في كونه تعليماً رخيصاً ومرتبطاً بالدولة، والدولة لا تريد أن يتعلم أحد التفكير والإبداع والانتقاد، وهو ما يتجسد فى طبيعة المناهج المقررة، ومن ثم النظام التعليمي أصبح يكتفى بالحد الأدنى في «المدرس والتلميذ والكتاب» ولا يولى اهتماماً لأساليب هذا التدريس، فالمناهج تحتاج إلى تطوير شامل ولكنها جزء من نسق التعليم المتخلف ولا تساهم في تنمية الفكر ولا تحقق أي معرفة فعلية بل تعطي مجموعة من المعلومات التي يحفظها التلميذ وتساهم في تدمير ملكة النقد والحس لديه، لأن نظام التعليم لا يعتمد علي إثارة فضول الطلاب وإنما علي مفردات الحفظ والتلقين وكتابة ما يملى عليهم، مما يعطل إبداعهم، فالمناهج مجرد مجموعة من المعارف التي تقدم للتلاميذ بطرق وأساليب سلطوية هدفها النجاح في امتحان نهاية العام دون الاهتمام بتحريك القدرات العقلية، فتعديلات المناهج دائماً ما تنتهى بخطط تطوير وإصلاحات جزئية، ولذلك بات النظام التعليمي أكثر تخلفاً عن العصر، خصوصاً مع استخدام المصريين الواسع لتكنولوجيا الهواتف النقالة والإنترنت، في المقابل وجدنا وزارة التربية والتعليم تفشل في تطبيق نظام الكمبيوتر والآى باد في مدارسها الحكومية وحتي التجريبية للغات.
ويشير -كمال مغيث- إلى ضرورة تغيير أحوال المعلم الذي يعاني اليأس والإحباط ولا يتقاضى الأجر الملائم الذي يجعله يساهم في تطوير العملية التعليمية، كذلك أن يكون هناك إدارة سياسية لتحسين التعليم وبعدها ستتوافر الموارد المالية والبشرية والإمكانيات

تسييس التعليم
الدكتور شبل بدران، عميد كلية التربية السابق بجامعة الإسكندرية، وصف قضية تسييس التعليم بالخطيرة والتي برزت في مصر مع ثورة يوليو 1952، حيث استمر ذلك الارتباط حتي الآن مروراً بالرئيس السادات ومبارك والإخوان، وهو ما ترتب عليه إجراء عمليات حذف وتعديل للمناهج وتقليص مساحات شخصيات بعينها مثل اللواء محمد نجيب والمشير أبو غزالة وغيرهما وامتد ذلك لما بعد ثورتى 25 يناير و30 يونية ولوحظ في المناهج وأسئلة الامتحانات والتي تحمل توجهاً سياسياً بعينه له آثاره السلبية علي الأجيال المتعلمة.. ولذلك أخطأ المسئولون والوزراء بحذف المناهج وتسمية ما يتم حذفه بالحشو الزائد مما يعطي انطباعاً سلبياً عن منظومة التعليم رغم أن تطوير المناهج لا يأتي بالحذف وإنما بأن تؤسس المناهج الدراسية شعارات ثورتى يناير ويونية من حرية وكرامة وعدالة إنسانية لا أن يحذف فقط مع استمرار سياسات الحكومة التي ترتكز علي القشور ولا تهتم بجذور القضية وهي انهيار التعليم. لماذا!




مدارس الحكومة.. لا تربية ولا تعليم

 

انتظرونا قريبا بالاسواق والمكتبات وعند بائعى الصحف ديوان هى دى مصر شعر/فتحى على عبدالمحسن

 

الصندوق الأسود لشرعية مرسي.. أكشن

كتب رئيس التحرير

 

تدفع مصر منذ 3 سنوات ثمنًا باهظًا لشرعية الرئيس المعزول محمد مرسي الذي تولى حكم البلاد في شهر يونيو عام 2012، وذلك بعد انتخابات رئاسية شابها بعض الانتقادات والملاحظات التي حاول تنظيم الإخوان الإرهابي دفنها وغلق ملفها قبل رحيلهم عن حكم البلاد.

ويبدو أن الأيام  القادمة ستكشف العديد من الأسرار حول وهم "شرعية مرسي"  خاصة بعد تصريحات المستشار عبد المعز إبراهيم، عضو اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية 2012، والتي أكد فيها أنه لم يُوقع وزميله المستشار أحمد خفاجي النائب الأول لرئيس مجلس الدولة  على إعلان نتيجة فوز محمد مرسي بالحكم بسبب اعتراضه على عدة تجاوزات شابت التصويت بجولة الإعادة، منها منع الأقباط من التصويت ببعض اللجان، وتسويد بطاقات لصالح أحد المرشحين.


تهديدات الجماعة

أشار عبد المعز إبراهيم خلال حديثه إلى أنهم أبلغوا النيابة العامة والشرطة بقضية تسويد البطاقات في بعض اللجان، ولكن قوات الأمن كانت تعمل وقتها في ظروف غاية الحرج يصعب معها الوصول للحقيقية في ظل تهديدات تنظيم الإخوان الإرهابي وأنصاره للجنة.

كما وجه الإخوان وقتها هجومهم إلى المجلس العسكري الذي حاصروه باتهامات عدة تشمل دعمه للفريق أحمد شفيق المنافس لمحمد مرسي وتسهيل الأمور أمامه للوصول للحكم.

ووصل الأمر إلى التهديد صراحة من قبل حازم صلاح أبو اسماعيل وأنصاره الداعمين لتنظيم الإخوان بإشعال البلاد في حال عدم فوز مرسي بالرئاسة.

كما زعم  محمد البلتاجي، النائب والقيادي في حزب "الحرية والعدالة" آنذاك أن إلغاء المحكمة الدستورية لقانون العزل السياسي كانت خطة من المجلس العسكري حتي يظل أحمد شفيق منافسا لمحمد مرسي بجولة الإعادة بالانتخابات الرئاسية، قائلا : "كل ما يجري حالياً هو انقلاب يحاول من خلاله المجلس العسكري إلغاء أنبل فترة من تاريخ أمتنا، هذه هي مصر التي يريدها شفيق والمجلس العسكري،".

وحذرت جماعة الإخوان المجلس العسكري من وضع يده على الأوضاع في البلاد "خلافاً للديمقراطية الحقيقية التي كان يتحدث عنها".

حاتم بجاتو رجل كل المراحل


أكد المستشار عبد المعز إبراهيم أن المستشار حاتم بجاتو الذي كان يتولي عام 2012 رئاسة اللجنة العامة للانتخابات هو من وقف ضد اقتراحه بإعادة الانتخابات في الدوائر التي ظهرت فيها التجاوزات وتسويد البطاقات ومنع  تصويت الأقباط.

وقال إن المستشار حاتم بجاتو أكد وقتها أن إعادة الانتخابات غير مجدية لأن فرق الأصوات بين الفريق أحمد شفيق ومحمد مرسي حوالي مليون صوت لذلك لايمكن أن يحدث تغييرا في نتيجة فوز المعزول، لافتا إلى أن إعادة الانتخابات ستكون نوعًا من تضييع الوقت وإهدار الأموال.

وأضاف أنه تم تعيين لجنة قضائية بعهد مرسي برئاسة المستشار عادل إدريس للتحقيق بتزوير الانتخابات ولكن كافة أعضاء اللجنة العليا للانتخابات امتنعوا عن المثول أمامها عدا هو فقط.

ورغم غضب تنظيم الإخوان العارم من قبل كل قضاة المحكمة الدستورية إلا أن مرسي قام بتعيين المستشار حاتم بجاتو وزيرا لشئون المجالس النيابية في خطوة اعتبرها البعض "مفاجأة" وعارضته فيها حتى القوى الإسلامية ذاتها.

وقال عصام العريان، نائب رئيس حزب الحرية والعدالة وعضو مجلس الشورى آنذاك ، أن اختيار المستشار حاتم بجاتو وزيرا للشئون النيابية، ليس له علاقة بالانتخابات الرئاسية، مؤكدا أنه لم يكن أحد يجرؤ بعد أن كانت النتائج الانتخابية تعلن مباشرة من خلال القنوات الفضائية أن يزور النتيجة.

وكان لحاتم بجاتو العديد من التصريحات الصادمة لزملائه من نادي القضاة خلال فترة وزارته منها تأكيده حرص محمد مرسي على استقلال القضاء، مشيرًا إلى أنه لن يحدث أي اعتداء على السلطة القضائية ، ولن تكون هناك أي مذبحة للقضاة في عهده.

وسارع "بجاتو" بتقديم استقالته من حكومة "هشام قنديل" في الثاني من  يوليو 2013 قبل يوم واحد من عزل الرئيس السابق "محمد مرسي".

الإخوان تعلن مرسي رئيسا لمصر

أعلن حزب "الحرية والعدالة" فوز مرشحه محمد مرسي في الانتخابات في 18 يونيو 2012 قبل إعلان النتيجة الرسمية بـ6 أيام في مؤتمر صحفي ردد فيه الحاضرون هتافات مسيئة للمجلس العسكري.

كما أعلنت حركة "قضاة من أجل مصر" فوز محمد مرسي للرئاسة على لسان المتحدث باسمها المستشار وليد شرابي الذي هرب خارج مصر بعد ثورة 30 يونيو واتخذ من قناة "الجزيرة" منبرا له للهجوم على النظام الحالي.

كان إعلان فوز مرشح آخر غير محمد مرسي يمثل خوفا شديدا لدى قطاعات كبيرة من المصريين حتى الداعمين لأحمد شفيق خاصة بعد احتشاد الآلاف بميادين مصر  من أعضاء تنظيم الإخوان وأنصاره من التيارات الإسلامية في انتظار إعلان نتيجة الانتخابات التي هددوا بحرق مصر في حال مخالفتها لنتائجهم الرسمية.

لغز المطابع الأميرية

تردد اسمها كثيرا بعد الانتخابات الرئاسية عام 2012 بسبب اتهامات وجهت لها بتسويد عاملون تابعين لتنظيم الإخوان بطاقات لصالح محمد مرسي.

وأجرت جهة سيادية تحقيقاً موسعاً فى واقعة تسويد البطاقات بالمطابع الأميرية، وأكدت أن أجهزة وزارة الداخلية تقوم بالتنسيق مع هذه الجهة، لجمع تحريات حول واقعة تسريب البطاقات من المطابع وتسويدها.

وقام عمال وموظفو المطابع الأميرية بقطع طريق الكورنيش بإمبابة، احتجاجاً على الاتهامات الموجهة لهم حيث نفوا تبعيتهم للإخوان أو لأي تنظيم أو جهة بمصر.

و أكد المستشار حاتم بجاتو أمين اللجنة العليا للانتخابات أن المحافظات التي اكتشفت فيها حالات التسويد كانت في المحافظات التي قامت المطابع الأميرية بطباعتها حيث طبعت المطابع الأميرية 14 محافظة ومطابع الشرطة 13 محافظة.

وأشار بجاتو إلى أن البطاقة التي تم تسريبها قبل موعد الانتخابات كانت من محافظة الجيزة التي طبعت في المطابع الأميرية.

وتم استبعاد المطابع الأميرية بعد ثورة 30 يونيو من طباعة أي أوراق رسمية خاصة بالدولة أو أوراق الانتخابات أو الاستفتاءات.

حظر النشر بقضية تزوير الانتخابات


بدأت التحقيقات فى واقعة تسويد البطاقات بالمطابع الأميرية وتزوير الانتخابات، خلال عهد المعزول محمد مرسي حيث استمع فريق من رجال المباحث إلى أقوال ٢٧ شخصاً من عمال المطابع، الذين نفوا معرفتهم بواقعة تسريب البطاقات الانتخابية.

وطلب النائب العام السابق المستشار الدكتور عبد المجيد محمود من وزير العدل الأسبق المستشار أحمد مكي ، ندب أحد مستشاري محكمة الاستئناف، كقاض للتحقيق في البلاغات التي قدمت إلى النيابة العامة، والتي حملت اتهامات بوجود أعمال تزوير في الانتخابات الرئاسية وعيوب وأخطاء شابت العملية الانتخابية.

ومرت التحقيقات بتزوير الانتخابات الرئاسية بالعديد من العراقيل لمنع وصولها إلى نتيجة حيث تم إسناد مهمة التحقيق في القضية إلى 3 قضاة تحقيق متعاقبين، اعتذر كل منهم عن عدم مباشرة التحقيق في القضية، حتى تم إسنادها إلى قاض تحقيق آخر والذي قرر حظر النشر فيها.

وجاء قرار حظر النشر، حفاظا على سلامة التحقيقات وسريتها لحين الانتهاء منها وإعلان نتائجها.

ومازال الغموض يسيطر علي تحقيقات قضية تزوير الانتخابات التي يدفع المصريون ضريبتها حتى الآن من دماء أبنائهم واستقرارهم وأمنهم.

 




 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق